في الحقيقة
ياسر زين العابدين المحامي
معايير مختلة
عام 2017م صادق مجلس الوزراء على تعديل مشروع قانون تنظيم النقد الأجنبي للعام 2017م. التعديل زاد عقوبة السجن في حالة التعامل غير المشروع الى )10( بدلاً عن )3( سنوات. ذات التعديل أبقى على الغرامة والمصادرة للنقد محل التعامل غير المشروع. أن يجاز قانون يحكم الحركة الاقتصادية والمصرفية بالبلاد ضرورة. شريطة أن تتاح فرصة كافية لاستمراريته للتأكد من مدى فعاليته وجدواه. يبدو أن قانون 2017م لم يحقق المطلوبات والأمنيات التي توخاها مجلس الوزراء. صادق مجلس الوزراء على قانون جديد للعام 2018م. التعديل الجديد أمام منضدة البرلمان للاجازة أو الرفض. اللجنة الاقتصادية بالبرلمان في جلسة النقاش والتداول أعلنت عن جلسة مغلقة منع الصحفيين من حضورها. يبدو أن هنالك ثمة نذر خلاف على القانون محل النقاش من جهات عدة. عدم رضى من بعض أعضاء اللجنة الاقتصادية بالبرلمان.
بلا شك أن قانون 2017م رغم العقوبة المشددة لم يوفي بمطلوباته. بمعنى آخر لم يحقق السياسات التي رُسمت لزيادة مخزون البنك المركزي من الذهب. لم يكبح جماح تفلت الدولار بحيث لم يستقر سعر الصرف. لم يُسهم في بناء قنوات لتحويل مدخرات المغتربين. لم تتم معالجة السيولة الفائضة في الاقتصاد. ثمة تخبط بائن في استصدار قانون لا يعيش لأكثر من عام ونصف. كثرة التعديلات تشير الى فشل واضح في قراءة المشهد القانوني والاقتصادي. تشريع قانون قادر على استيعاب كافة الظروف على مدى متوسط لا يقدح في مصادقة المجلس للقانون. غض النظر عن اشتمال القانون الجديد للعقوبات الرادعة والمصادرة نطرح السؤال بمدى فعاليته هل يؤدي الدور المطلوب؟ بلا شك أنه يمس قطاعات واسعة مستثمرين ومغتربين وقطاع الخاص. هذه القطاعات وغيرها بالضرورة أن تُستصحب في التداول والنقاش للخروج برؤية موحدة. الوصول الى تفاهمات بحيث يخرج الى الحياة قانون مرن. مواءمته مع الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد أمر مطلوب.
من المهم جداً طرح السؤال الملح من الذين يتعاملون في النقد الأجنبي؟ من أولئك الذين يهربون الذهب الى خارج البلاد؟ من هم الذين حققوا ثراءاً فاحشاً من ثروات البلاد وأوردوا الاقتصاد موارد الهلاك؟ عليه أن تطبيق القانون بأثر رجعي على الذين دمروا الاقتصاد ضرورة. من يتعامل في النقد الأجنبي بملايين أو مليارات الدولارات بلا شك معلوم. الذين مارسوا تهريب الذهب وأضروا بالبلاد بلا شك في دائرة معروفة. عبارة عفا الله عما سلف لا يليق تطبيقها في هذا السياق. هي ذاتها القطط السمان التي ما زالت تحاول القفز في الظلام لحماية ثرواتها الحرام. اقبضوا عليهم حاكموهم طبقوا الأحكام الرادعة صادروا ممتلكاتهم. ليس من العدالة أن يُحاكم أولئك الشعث الغُبر الذين حفروا باطن الأرض بأظفارهم بتهمة )الحيازة( مصادرة وسجناً )15( عام. بينما آخرون في ظل وريف بمنأى عن العيون يحققون الثراء الفاحش لا يطبق القانون عليهم. العبرة ليس في المصادقة على القانون أو التعديل العبرة في تطبيق العدالة بصورة كلية.
السبت ٢فبراير ٢٠١٩م )المستقلة(