في الحقيقة
ياسر زين العابدين المحامي
بعد ده كلو كمان بتبكي..؟؟
العام )2009( ابان وحدة السودان أجريت دراسة للفقر حددت النسبة بـ )46,5%(. في العام )2011( الدراسة التي اكتملت أركانها قدح وشكك فيها البعض. مصادر عُدة وثيقة الصلة تطابقت مؤشراتها بأن النسبة بلغت )75%( من جملة السكان. الجهاز المركزي للاحصاء حدد ثلث السكان فقراء فقر )مدقع(. بالقطع ما توصلت اليه الدراسات أو المصادر مخجل ومخزي في بلاد تتمتع بموارد مهولة يمكن أن تحولها الى جنة باذخة الثراء. بحسب دراسات الأمم المتحدة أن )70%( من السكان يلاقون صعوبات جمة في الحصول على حاجاتهم الأساسية مثل الماء والغذاء والعلاج والتعليم. لقد غابت الاستراتيجيات الدقيقة المحكمة قصيرة وبعيدة المدى في ادارة برنامج دقيق يُعنى بهذه المعضلة. وثيقة الاسترايجية المرحلية للتخفيف من الفقر فشلت أيما فشل. الزيادة في الاعتماد المالي المرصود بهذا الشأن عبر الموازنة العامة لم تحقق أهدافها. مسألة اعداد استراتيجية شاملة لخفض الفقر بالتعاون مع البنك الدولي وبنك التنمية الافريقي أحلام يقظة. الواقع تراجع ناتج الزراعة وزيادة في الهجرة من الريف الى المدن واستيطان مهن هامشية. فضلاً عن ضياع أموال كثيرة في حروب طويلة الأمد قضت على الأخضر واليابس بجانب انحياز سياسة التنمية للمناطق الحضرية وديون أثقلت كاهل الوطن وعقوبات ما زالت آثارها الوخيمة تضرب في جسد الاقتصاد العليل.
كان بالإمكان الاستفادة من الطاقات وتوجيهها ومن الموارد المتنوعة وتفجيرها. كان من السهل تطبيق الحكم الرشيد بتنمية الموارد البشرية وخلق فرص عمل وتمكين القطاع الزراعي من النمو والاستجابة لمؤشرات السوق. كان الأولى الاستفادة من أموال البترول في مشروعات تدر دخل وتحقق عائد مجزي لتصبح ركيزة للاقتصاد وذخر وقت )الحوبة(. لم يتم شيء من هذا القبيل ودخل الفقر من أوسع الأبواب وضرب بقوة في عميق. غابت معه البيانات الخاصة بالسكان ولم يُربط بين الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية الكلية. لم يكن الوعد حقيقي أن ثمة برنامج يُعنى بمحاربة الفقر يبدأ من العام )2000( وينتهي بالعام )2020( لتصبح النسبة )10%(. وقت هذه الدراسة كانت الظروف غير الظروف والاقتصاد في حالته غير يومنا هذا. لم يكن الحال بهذا التعقيد والسوء ومشكلات جمة تتداعى زرافات ووحدانا. وقتها كان ثمة بصيص أمل في الخروج من )قعر( الزجاجة لأن العملة الوطنية لم تنهار كيومنا هذا. ضاعت معالم الطريق نحو الحل وبات الفقر يضرب بأطنابه وبشدة بقسوة لا نظير لها في كل ثانية.
المشهد الآن أن ترى الفقر يستوطن في العيون يتجلى بزرقة )البؤبؤ(. يصبح بعبع لا يمكن كبح جماحه يسكن في الأزقة والحواري. يجري مجرى الدم في أيادى ترتعش من الجوع والوهن والرهق والخوف من الغد. في زماننا هذا طغت فئة رأسمالية )طفيلية( انشغلت بالمضاربات في العقارات والعملات وغير ذلك. تتمدد بحيث اصبحت غول يلتهم كل الموارد تقف حجرة عثرة أمام الاصلاح. مراكز القوى تحقق أجندتها تدير معارك في الظلام بآليات المال. )سعاد الفاتح( النائبة بمجلس الولايات قالت والدمع في عينيها أن هنالك من يأكل الفاكهة و)أبا( ولحم طير مما يشتهون وآخرون يأكلون )الأضلاف(. من يأكلون )الأضلاف( السواد الأعظم يأكلون من خشاش الأرض في وطن كان من الممكن أن يقفز ليجلس )متوهط( بين الكبار. لكنه الآن يجلس مطأطيء الرأس لا يملك أن يسد رمق الجوعى وملايين الأفواه الجائعة.
الخميس ٣١ يناير ٢٠١٩م )