حاطب ليل
عبد اللطيف البوني
‏اوقفوا الضَّخ
‏
طوال هذا الأسبوع ما تفتح صحيفة الا وتجد خبراً منسوباً لبنك السودان، يقول فيه إنه ضخَّ كمية من الدولارات في خزائن البنوك التجارية، لمقابلة طلبات المواطنين العاديين من أجل الحاجات الخاصة للدولار، صحة، تعليم- أو الذي منه- بعبارةٍ أخرى، أراد السيد بنك السودان أن يقول لذوي الحاجات الخاصة بالدولار، لا حاجة لكم بشرائه من السوق الأسود( اسم الدلع السوق الموازي)، إنما يمكن أن تذهبوا للبنوك والصرافات لتجدوا حاجتكم من الأخضر الرَّنان، وإن شئت قل: الأخضر الإبراهيمي، والهدف من عملية الضَّخ هذه، هو محاربة الاتجار بالدولار، وبالتالي ايقاف تصاعده في مقابل الجنيه السوداني المتدهور. ولكن الشاهد أن المؤمنين المصدقين عندما يذهبون لتلك البنوك أو الصرافات ويقدموا المستندات التي تشفع لهم بشراء الدولارات بالسعر الرسمي، لا يجدوا دولاراً ولايورو ولا ريال ولا درهم، ويرجعون بغير خُفَّى حنين، فلماذا يكرر السيد البنك المركزي أخبار الضَّخ هذه، بينما لا يوجد ضخ ولا انسياب، والدليل على ذلك أن هذا الضَّخ لم يظهر له أثر، فالصاعد مواصل صعوده والهابط مواصل هبوطه؟
أولاً: وقبل الدخول في لُبّ الموضوع دعونا نتوقف عند مسألة إجرائية، وهي كلمة ضخ هذه، ومدى عسكها للواقع، فلو افترضنا أن هنا لها معنى اصطلاحياً، فهو أيضاً غير صادق لأن الأمر المؤكد أن الكمية المضخوخة ليست كبيرة لتشبه الماء المندفع، إنما هي مجرد سرسار، وسرسار الماء كما هو معلوم، قد يتوه في حركته ولا يصل إلى المبتغى عكس الماء المضوخ الذي يحفر طريقه اذا لم يجده، فالأفضل أن لا يستخدم بنك السودان كلمة ضخ في هذه الحالة، طبعاً لم أصدق الذي قال لي إن الحكاية مجرد كلام جرائد لا فيها ضخ ولا يحزنون إنما اشاعة (حميدة) بمقاييس البنك طبعاً، لايقاف اخضرار الأخضر، ولكنني أجد نفسي مصدقاً للذي قال لي إن الحكاية فيها لعبة وداخلها غش، ففعلاً، هناك شوية دولارات ولكنها تذهب لاناس يعرفون البئير وغطاها، ويدخلون بها السوق وبطريقة إجرائية ما تخُرِّش المَيَّة ( إنتو قائلين الحكاية لعب؟ في ناس بتعرف تجود شغلتها جد).
في تقديري، أنه من الأوفق لبنك السودان في مثل ظروفنا الحالية أن يقوم بدوره الأساسي، وهو توفير الدولار للحكومة، فالحكومة على حد قول سعود البرير رئيس اتحاد أصحاب العمل: هي أكبر مشتري للدولار من السوق (الموازي)، وهي السبب الرئيسي في رفع سعر الدولار بالصورة البشعة التي حدثت مؤخراً، فلو كفَّتْ الحكومة يدها عن السوق الأسود، سوف ينهار هذا السوق، فالحكومة عندما تشتري من ذلك السوق لا تفعل ذلك من موارد حقيقية، إنما تأمر السيد بنك السودان بأن يطبع عملة سودانية ويا دار( أمانة) ما دخلك شر، لكن من يخطر أصحاب المصالح الخاصة؟( السماسرة الذين يشترون للحكومة) ولا شك أنهم شبكة . اذا بطلت الحكومة البتعمل فيه دا سوف يزيد عرض الدولار في السوق الموازي، ويجده أصحاب الحاجات الخاصة بأقل من سعر المضخوخ، ويادار ما دخلك شر.
من غير المعقول أن يضخ بنك السودان بجاي، ثم يشتري للحكومة بجاي، فالشغلانة فيها منشار رهيب، والشرح الكثير يفسد المعنى على قول العلامة عبد الله الطيب، فلنكتف بالقول: أنا ما بفسر، وأنت ما تقصر، فقط اوقفوا الضَّخ لكي يقف الشفط، وكان اللهُ يحب المحسنين.