من المؤكد أنكما- قارئي وقارئتي- تعلمان كم تستفزني هذه العبارة التي صدّرت وعنونت بها هذه المساحة.. ولا بد أنها عبارة مستفزة حتى لطين البيوت، وقطن الخيوط ذلك لأنها استعلائية في بلد لا يعرف أهله الاستعلاء إلا على من يتعدى الحدود، وينفخ الأوداج، ويتعامل مع الناس بصلف بغيض، وهل من صلف أبغض من هذه الكلمات الطائشة المستهترة بإرث ومكنون هذه الأمة العظيمة، يستطيع أن يخدع الناس، كل الناس، يستطيع اي واحد منا ان يخضع الناس كل الناس لبعض الوقت.. ويستطيع أن يخدع أكثرهم لبعض الوقت وأن كثر هذا البعض من الوقت.. لكن المستحيل- بعينه- هو أن يخدع المرء- أيا كان وصفه وقدره- كل الناس، كل الوقت وهذه الحقيقة هي بعض من ما غاب وتعذر على الكاردينال فهمه واستيعابه والعمل به وإلا لما كان هذا التمادي منه واستغفاله للبعض ظنا أن ذلك هو المفتاح والطريق المعبد لاستغفال كل الناس.
في جمعية الهلال، قبل هذه الأخيرة قدمت الميزانية، وهذا اسم افتراضي، وأجيزت بصورة لا تشبه الهلال، ولا اي مؤسسة محترمة.. وحتى لا يقال بإننا نتغول على الحقائق والوقائع بما ليس فيها فإننا نلفت الانتباه إلى ما جرى من نقاش- على قلته- في تلك الجمعية التي لا بد من أن نلفت الانتباه إلى حقيقة قاصمة وصاعقة.. وهي أنها قد كانت من عضوية شكك العارفون بتفاصيلها في صحتها.. لكن ذلك التشكيك قد جاء همسا، وأكثره قد كان تشكيكا ضمنيا؛ إذ جاء من خلال نظرات الفرح والإعجاب من ذلك البعض بما استطاعوا إنجازه.. هل أخطأت- أنا- التقدير يا عمدة؟.
وفي هذه الجمعية الأخيرة حدثت أشياء كثيرة.. طعون صحيحة.. صحيحة لسبب بسيط لكنه قاطع إذ أن أهم الدروس المستفادة من معركة السنوات الثلاث الماضية قد كان في قرار الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا القومية التي ردت قرارا معيبا وهزيلا طالما فاخرت المفوضية المسكينة به وبصحته، وكيف أن قرارها، ذاك المعيب قد وجد القبول والتأييد من الاستئناف الشبابية والرياضية، ثم محكمة الدرجة الأولى والاستئناف، ثم المحكمة العليا دون أن تدري تلك المفوضية المسكينة أن درجات التقاضي تصاعديه بعلو تعلو بعضها على بعضها، وتحترم أيدرجة منها بقية الدرجات دون أي استخفاف أو استهزاء أو عدم احترام؛ فالمرجع والمنطلق هو القانون، ولو أعمل أهل تلك المسكينة العقل، وأمعنوا النظر في تكوين تلك الدرجات لعرفوا السبب، إن كانت لديهم الرغبة المجردة من الهوى كي يعرفوا!.
الميزانية الأخيرة، أو ميزانية الجمعية الأخيرة، قدم طعن فيها ولكن ولخطورة الطعن ولعدم ملاءمته لهوى ورغبة المفوضية، التي أعلن عنها بصراحة وشفافية ملك الشفافية الدكتور الفاتح حسين، رفض الطعن بسبب (شكلي)، وأزيد بالقول إنه (شكلي مصنوع حصريا للكاردينال).. سبب ماسورة، وقد كتبنا عنه.. وتبعت لجنة الاستئناف المفوضية.. لتقوم الجمعية.
لقد كان حرص الطاعن في الميزانية حرصا كبيرا وعظيما على الهلال، وأموال الهلال.. لم يكن ذا هدف آخر، وهو حرص يجب وجوبا لا ذرة شك فيه عند أي هلالي.. لا بل أي سوداني فيه، والأدهى من ذلك أنه أحد أهم واجبات ومسؤوليات المفوضية ووزيرها!.
لا نستبعد ولا ننكر أن يغفل الواحد منا.. فالغفلة يمكن أن تكون عن الصلاة.. أو في الصلاة وللسهو وجود.. وسجود.. لكننا نستنكر، وكلنا يجب أن نستنكر، التمادي في الغفلة خاصة حينما ننبه إليها.. وخاصة بخاصية أخص حينما يكون الأمر في مال.. وأي مال.. مال عام.
وغفلة الكاردينال، ومجلسه لم تكن في هذه الميزانية المعيبة المليئة بآلاف بل ملايين الشكوك، والأسئلة الحائرة، والأهداف الطائرة، والأحلام (الفائرة ).. لم تكن الغفلة في السكوت عن ميزانية لم يرها المجلس تعرض عليه؛ ليقرر في عرضها على الجمعية لإجازتها.. أو.. أو.. وآلاف (الأو) (أو).
الغفلة الكبرى كانت في الدرس الوحيد الذي كان على الكاردينال ومن معه أن يخرجوا به من درس (المراجعة).. الطريق الطويل المعبد.. وطهر وحيدة، وصدق منظمومة التقاضي السوداني.. والتقاضي هنا يبدأ من الغربال.. من النيابة التي أصبحت الآن في وضع آخر أكثر استقلالية وتميزا، وللمال العام حظوة وهيبة ومسؤولية تحرسها آيات الذكر الحكيم، وأقوال الرسول الكريم- صلوات ربي وسلامه عليه- وهذا ما تتقازم وتتقاصر أمامه أي تدخلات أخرى بما فيها الفيفا المتاحة لكل طارق لبابها.
في الجمعية الأولى جاء الأخ الأستاذ أحمد عبد القادر كعضو للجمعية لا كنائب للرئيس، وقال ما قال عن تلك الميزانية.. وها هو الآن مدعو للشهادة في الدعوى التي تقدم بها إلى نيابة المال العام.. نفس الطاعن فيها أمام المفوضية التي لو أنها قد أخذت مأخذا آخر- وهو الصحيح بلا شك- لوفرت على نفسها، وعلينا- جميعا- هذا الذي تنذر به هذي السماء!.